منذ تباشير انتخابات الثامن من شتنبر الماضي، خرج حزب التجمع الوطني للأحرار – فيما وصفته أحزاب معارضة حينها بالحملة السابقة لأوانها – بوعود ذات طبيعة اجتماعية صرفة، ودعا فيها أمينه العام عزيز أخنوش المغاربة إلى التصويت على حزبه لأن الحزب يأمن بـ”المعقول” وأن المغاربة “يسْتَاهْلُو احسن”

الآن حصل أخنوش على مراده، وتم تعيينه من طرف الملك محمد السادس كرئيس للحكومة، بعد أن فاز حزبه بالأغلبية، وتمكن من تشكيل ائتلاف حكومي قوي من ثلاثة أحزاب، تقاسمت معه رؤيته لبناء الدولة الاجتماعية، وتبنت في ميثاقها الوعود العشرة التي بشر بها أخنوش عموم المغاربة.

وعود كبيرة، وسخرية لاذعة

البرنامج الانتخابي للحزب القائد للحكومة تضمن وعودا كبيرة، تهم مجالات الصحة والتعليم والتشغيل؛ وفي الصحة التزم الحزب بمضاعفة الميزانية المخصصة للقطاع خلال السنوات الخمس المقبلة، وبهذا يمكنها أن تصل إلى المعدل المطلوب من لدن منظمة الصحة العالمية، التي تعتبر أن نسبة 12% من الميزانية العامة للبلد، يجب أن تخصص لقطاع الصحة، كي يكون قادرا على أداء دوره على أكمل وجه، فيما النسبة الحالية بالمغرب هي 7,27% حوالي 50% منها مخصصة للاستثمار وتغطية الأجور.
كما تعهدت الحكومة بإحداث نظام للتكفل المباشر من أجل تقليص نفقات العلاج التي يتحملها المرضى، إضافة إلى إحداث صندوق يتيح تخصيص نصف مداخيل زكاة المال لتمويل الأمراض المزمنة.

فيما يخص التشغيل فوعود حزب أخنوش وحكومته، هو خلق مليون منصب شغل مباشر من أجل إنعاش الاقتصاد للتغلب على آثار جائحة كوفيد-19، من خلال إطلاق برامج أشغال عمومية صغرى وكبرى لفائدة العاطلين، ودعم مشاريع المقاولين الذاتيين، وتسريع المخططات القطاعية.
بينما في قطاع التعليم، تسعى حكومة الأحرار إلى مدرسة عمومية تتيح تكافؤ الفرص من خلال تعزيز تكوين الأساتذة والرفع من أجورهم

هذه الوعود حين تم الإعلان عنها لأول مرة، تلقاها الكثيرون بالسخرية، خصوصا في خضم الوضع الاجتماعي الراهن

برلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية، كان قد علق على الموضوع عبر منشور له على الفايسبوك، “أخنوش يحاول إيهام الناس بالجديد، ويقدم ما تم إقراره في إطار برامج الحماية الإجتماعية (تعميم التغطية الصحية/ تعميم التعويضات العائلية/ تعميم التقاعد) على أنه مشروع انتخابي جديد”.

أغلب التدوينات حينها، استغربت كون البرنامج الانتخابي الذي أعلن عنه عزيز أخنوش، موجود أصلا، من قبيل وعده بتمكين المغاربة من بطاقة رعاية لتلقي العلاج ( توسيع التغطية الصحية الاجبارية)، وأداء 1000 درهم تقاعد ( توسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد)، وأداء 300 درهم لكل متمدرس ( تعميم التعويضات العائلية)، وهي كلها موجودة أصلا، بعدما تمت المصادقة عليها من طرف البرلمان وصدر القانون 21.09 المتعلق بالحماية الاجتماعية بالجريدة الرسمية يوم 5 ابريل 2021، وتم تحديد آجالها في المادة 4 من هذا القانون.

سياق اجتماعي مضطرب

تسلم عزيز أخنوش رئاسة الحكومة في عز جائحة عالمية أثرت على المعيش اليومي للساكنة، وزعزعت الاستقرار الاجتماعي للعديد من الأسر، وتضرر منها الاقتصاد الوطني، سيما في القطاع غير المهيكل والمقاولات الصغرى والمتوسطة، وتوقفت جرائها قطاعات كاملة عن العمل، كمنظمي الحفلات وجزء من العاملين في القطاع السياحي

بالموازاة، كانت قضية الأساتذة المتعاقدين تملئ الشارع قبيل تنصيب حكومة أخنوش، وفي أول أيامها نزل الأساتذة من جديد إلى الشارع، وتظاهروا في عدد من المدن في استقبال احتجاجي للحكومة الجديدة
أولى قرارات وزير التربية الوطنية والرياضة، زادت من حجم الاحتقان في صفوف العاطلين، بعد الإعلان عن تسقيف سن الولوج إلى قطاع التعليم في ثلاثين سنة، عامل إضافي لتأجيج الاحتجاجات، انضاف إلى ملف الأساتذة المتعاقدين
تأجيج الشارع تسببت فيه أيضا قرارات مرتبطة بتدبير جائحة كورونا، فمع أن المغرب من البلدان التي تحكمت إلى حد كبير في الجائحة واتخذت إجراءات احترازية مبكرة، إلا أن الشارع المغربي كان متذمرا من بعض القرارات المتسرعة التي كانت تتخذها حكومة سعد الدين العثماني، ومنذ مجيء حكومة أخنوش، كانت هناك مطالب بالقطع مع هكذا قرارات متسرعة، من قبيل إعلان الإغلاق الشامل ساعات فقط قبل تنزيله على أرض الواقع
الطريقة التي تم بها إخراج “جواز اللقاح” كرست لدى الشارع المغربي فكرة أن عزيز أخنوش يعتمد نفس سياسة سعد الدين العثماني في تدبير الجائحة، بحيث دفع قرار فرض الجواز إلى خروج فئة جديدة إلى الشارع، لتنضاف إلى ملفات سابقة تؤثث شارع الاحتجاج المغربي

الخبير الاقتصادي “محمد جدري” في حوار مع (المغرب 35) قال إن التسرع في تنزيل إجبارية جواز التلقيح للولوج للمؤسسات العمومية والمؤسسات الخاصة وكذلك الأماكن العمومية، كان فيه مجموعة من النقط المتسرعة بحيث أنه كان من الأفضل أن تكون هناك حملة تحسيسية للمواطنات والمواطنين، مع إعطاء مهلة من أجل تنزيل هذه الإجبارية، كما هو الشأن في باقي الدول,
كذلك يضيف الخبير الاقتصادي (أعتقد أنه مثلا نقطة تسقيف السن لثلاثين سنة بالنسبة لولوج مهن التعليم، ينقصه الكثير من الحنكة السياسية، بحيث أن هذه الحكومة تلتهم رصيدها مع المواطنين مجانا يعني بدون حنكة سياسية وأعتقد بأن هذا الأمر يجب أخذه بعين الاعتبار)

وفي تقرير أنجزته وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجموعة “الإيكونوميست” البريطانية، ويهم التوقعات الجديدة لعدد من البلدان عبر العالم خلال السنوات القادمة
تنبئ التقرير بتوترات اجتماعية في الأفق بالمغرب، حيث اعتبر أن البلاد ستكون مقبلة على “توترات اجتماعية متصاعدة، بما يتماشى مع تزايد معدلات البطالة، خاصة في المناطق الأقل نموا”.
هذه التنبؤات يدعمها واقع التعاطي الحكومي مع عدد من الملفات الحارقة، التي تؤثر بشكل مباشر على مزاج الشارع، وتدفعه إلى المزيد من الاحتجاج،

قطاع التضامن والإدماج الاجتماعي وأزمة التسيير

حساسية الشارع المغربي من بعض القرارات التي يتخذها أعضاء الحكومة، زاد عليها خبر أن وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عينت زوجها مستشارا بالوزارة، ما أعطى انطباعا بممارسة محسوبية داخل هذا القطاع الحيوي بامتياز

وفي خضم الضجة التي أثارها الخبر وخروج الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز في لقاء مع الصحافة للدفاع عن قرار الوزيرة والتقليل من شأنه، شاركت الوزيرة عواطف حيار في لقاء بالبرلمان في إطار حملة مناهضة العنف ضد النساء، وبحضور فاعلات نسويات وعضوات من منظمات دولية، وكانت فرصتها للتواصل وإبراز مخططات الوزارة وربما القيام بحملة علاقات عامة لتصحيح الصورة التي روجتها بالخطء عن تدبيرها للقطاع، لكن الوزيرة فاجئت الجميع بالانسحاب دون اعتذار بمجرد إنهاء كلمتها البروتوكولية، دون انتظار النقاشات التي عرفتها التظاهرة، والتي تهم قطاعها بشكل مباشر
سلوكيات أعضاء الحكومة منذ المئة يوم الأولى، تبدوا وكأنها تسير عكس الاتجاه الاجتماعي الذي اتخذته كشعار، ما يطرح تساؤلات عن مدى قدرتها على تنزيل كل برنامجها بالفعل على أرض الواقع

إرتباك البداية، أم أزمة تواصل؟

بين ما تعلنه الحكومة وما تعكسه بعض قراراتها بون شاسع، يطرح السؤال عن هل الأمر مرتبط بأهليتها لتنفيذ برنامجها الحكومي، أم بعجزها على التواصل بشكل يعكس الجهد الذي تقوم به في هذا السياق
تساؤل يدعمه ضعف الحكومات السابقة في هذا السياق، والذي يتخوف الكثيرون من استمراره في الحكومة الحالية، خصوصا وأن هذا الضعف، قد يساهم في إرسال الإشارات الخطء، ويظهر “الحكومة” الاجتماعية بأنها تقوم بعكس ما تقول
في هذا السياق، لا يزال المستهلك المغربي ينتظر أن تخرج الحكومة لتصارحه بأسباب ارتفاع الكثير من المواد الغذائية، فيما ترشح تفسيرات متضاربة عن الأمر، وزاد من عدم الفهم لدى الشارع، ما ذكره رئيس الحكومة أمام البرلمان، حين تناول الحديث عن ارتفاع الأسعار ووصف الاحتجاج به بمجرد “مزايدات سياسية”

ملاحظ من المسار السياسي لعزيز أخنوش أنه ليس رجل تواصل، ويشهد على ذلك كيف رأيناه مرارا وتكرارا يقرأ خطاباته من ورقة بالدارجة المغربية، كأنه يؤدي دورا رديئا في مسرحية، اعتمادا على نص مسبق
غياب كاريزما التواصل لدى رئيس الحكومة، يبدوا أنها أرخت بضلالها على الأداء الحكومي منذ البداية، وكرست صورة مسبقة لدى الشارع المغربي بأن الحكومات المتعاقبة منذ عهد بنكيران، تتفاوت في التواصل ولكنها لا تتقنه، وقد تكون حكومة أخنوش أسوأها إن استمرت على هذا المنوال

على مستوى التواصل يقول الخبير الاقتصادي “محمد جدري” (هذه الحكومة تلتهم رصيدها مع المواطنين مجانا يعني بدون حنكة سياسية وأعتقد بأن هذا الأمر يجب أخذه بعين الاعتبار في الحكومة وكذلك المكلفين بالتواصل يجب عليهم إعادة النظر في مجموعة من الأمور من أجل تواصل أفضل مع مواطنات ومواطني هذا البلد.)

نموذج آخر على ضعف التواصل لدى رئيس الحكومة، هو ردة فعله إبان حملة المقاطعة التي واجهته منذ سنوات، وهو حينها وزير للفلاحة، أسلوبه في تدبير الأزمة آنذاك، لا يبشر اليوم بخير، خصوصا مع التوقعات بخروج المزيد من الحركات الاحتجاجية إلى الشارع، لأن موقعه كرئيس حكومة، لن يسمح له بدفن رأسه في الرمال إلى أن تمر العاصفة، ولكن سيتطلب منه المواجهة والرد بذكاء، وبإتقان لفن التواصل، وهو الشيء الذي تشير جميع المؤشرات أن السيد رئيس الحكومة لا يملكه.

الحكومة لا زالت في بداية عملها، والحكم عليها قبل انتهاء مئة يوم الأولى قد يكون سابقا لأوانه، لكن هذا لا يمنع من قراءة بعض الإشارات بقلق، خصوصا وأن المغاربة يعقدون آمالا كبيرة عليها للخروج الكامل من تداعيات جائحة كورونا، وبداية تنزيل رؤية المغرب 2035