في هذا الملف الخاص، يتناول موقع (المغرب 35) الخدمات الصحية في أفق رؤية النموذج التنموي، ونقدم لكم هذا الملف على جزئين، يتناول أولهما الوضعية الراهنة والانتظارات، ثم رؤية 2035
على أن يضم الجزء الثاني والأخير، تحدي المرحلة الذي تطرحه التغطية الصحية، وأثر رؤية 2035 على البرنامج الحكومي، وكون هذا المشروع بالأساس مشروعا ملكيا

تحسين الخدمات وتعميم التغطية الصحية، كان دائما هاجس المواطن المغربي في كل المراحل، وليس سرا أن مستوى الرضا عن قطاع الصحة منخفض، رغم الاستثمار الكبير في توفير بنية صحية تشمل كافة المناطق.

منظمة الصحة العالمية تشترط نسبة (12 بالمئة) من الميزانيات العامة للدول، إن رغبت في أن تكون في المستوى العادي من الخدمات، وتشمل هذه النسبة تكوين الأطر الصحية والاستثمارات ذات الطبيعة الصحية والأجور، بينما في المغرب، لا تتجاوز هذه النسبة أكثر من (7،27 بالمئة) في قانون مالية 2022، وهو الأمر الذي يبقيه قطاعا بعيدا عن المستوى المأمول، رغم الجهد الجبار الذي تم بذله في إطار تدبير جائحة كورونا

“في أفق 2035 ،يتعزز المغرب كبلد ديمقراطي يمتلك فيه جميع المواطنين القدرة الكاملة على تولي زمام أمورهم وتحرير طاقاتهم والعيش بكرامة في مجتمع منفتح ومتنوع وعادل ومنصف. بلد قادر على خلق القيمة المضافة، يستثمر مؤهلاته بصفة مستدامة ومسؤولة. مستندا على التقدم المضطرد الذي يحققه على المستوى الوطني، يبرز المغرب كقوة إقليمية تضطلع بدور طلائعي في مواجهة التحديات التي تواجه العالم.”
هكذا وصف التقرير العام للجنة الخاصة بصياغة النموذج التنموي رؤية المغرب 2035 في فقرة واحدة، وفي هذا التقرير يحضر موضوع الصحة بشكل قوي، وفي محاور مختلفة.
فمنذ انطلاق اللقاءات التواصلية للجنة، تكرر كثيرا ذكر أعطاب المنظومة الصحية، المواطنون والهيئات والمؤسسات التي تم الاستماع إليها، عددوا الكثير من مظاهر الخلل في هذا المجال، سواء على مستوى تكوين الأطر الطبية أو الشبه طبية، أو على مستوى استراتيجية القطاع، أو على مستوى التغطية الصحية، كما أنهم قدموا الكثير من المقترحات والتصورات، اعتمدها التقرير العام للجنة، وربط بينها لتكون خارطة طريق لأي فاعل تنموي أو سياسي.

وضعية راهنة تختلط فيها المكاسب ومظاهر الخصاص

“يذكر التقرير العام للجنة أنه فـي مجـال الصحـة، وعلـى الرغـم مـن توسـيع التغطيـة الصحيـة (التأميـن الإجباري عـن المـرض، نظـام المسـاعدة الطبيـة)، تظــل صعوبــات الولــوج لمنظومــة العلاجات قائمــة بســبب ضعــف المــوارد الماليــة المرصــودة لهــذا ونسـبة التأطيـر الطبـي التـي تبقـى دون المعاييـر المعتمـدة لـدى منظمـة الصحـة العالميـة والتوزيـع غيـر المتكافـئ للعـرض الصحـي علـى المسـتوى الترابـي. وتعتبـر الصحـة مصـدر هشاشـة بالنسـبة للمغاربـة، إذ أن 38 %مــن الســاكنة لا يتوفــرون علــى تغطيــة صحيــة، كمــا أن الأسر تتحمــل فــي المتوســط 50 %مــن نفقـات الصحـة”

هذا الوصف الدقيق للخصاص الذي لا زال يعتري المنظومة الصحية رغم الكثير من الأوراش المفتوحة في هذا المجال، ورغم التحديث والتطوير وتعزيز القدرات البشرية، هو فقط خلاصة عن الواقع الصحي، الذي يختلف من منطقة إلى أخرى، حسب القرب أو البعد من المركز، فالعرض الصحي لا يزال اليوم يعاني من عدم التكافؤ بين الجهات، وفي هذا الصدد سعت وزارة الصحة إلى خلق مستشفيات جامعية لتقريب الخدمات الصحية من ساكنة بعيدة عن المركز،
ومنذ الحكومة السابقة، اعتمدت وزارة الصحة استراتيجية للإصلاح الاستشفائي والذي يرتكز على تجويد وعقلنة وتطوير منظومة تسيير المستشفيات، من خلال وضع مجموعات استشفائية جهوية ذات استقلالية تدبيرية، وخلق ثلاث مستشفيات جامعية كبرى بكل من طنجة وأكادير والعيون، بالإضافة إلى مشروع إعادة بناء وتجهيز المركز الاستشفائي ابن سينا بالرباط. ويواكب هذا الإصلاح الاستشفائي صياغة المرسوم التطبيقي للقانون 13-70 الخاص بإصلاح وحكامة المراكز الاستشفائية الجامعية.

إنتظارات المواطنين

تقرير اللجنة خلص كذلك إلى أن المواطنـون يطالبون بتوفيـر علاجات تتسـم بالجـودة وتكـون فـي متنـاول الجميـع مـن حيـث التكلفـة والقـرب. وتنصـب الانتظـارات فـي هـذا المجـال علـى الرفـع الملحـوظ مـن عـدد مناصـب العامليــن فــي المجــال الطبــي والتوزيــع العــادل للبنيــات التحتيــة الصحيــة علــى مجمــوع التــراب الوطنــي للحـد مـن الفـوارق الصارخـة فـي هـذا المجـال. وفيمـا يتعلـق بالتغطيـة الصحيـة، فـإن تعميمهـا يحظـى بالأهمية القصوى لدى عموم المواطنات والمواطنين. فالجميــع يصر علــى تجويــد بإجمــاع واســع. وينظــر إلــى التغطيــة الصحيــة علــى كونهــا حقًــا أساســيا,

ومجرد جولة على ما ينشره الإعلام في المغرب حول قطاع الصحة، يعكس المشاكل الكبرى التي يعاني منها القطاع، سواء من حيث تدبير الموارد أو من حيث جودة الخدمات، إضافة إلى عدم ثقة المواطن في المراكز الصحية الجهوية، وبالتالي الضغط على المستشفيات الكبرى فالمدن، بحيث ينتقل المرضى أحيانا للتشافي في مستشفيات بعيدة، رغم توفر العلاجات المناسبة لهم قرب مقرات سكناهم، ما يعكس بالمقابل ضعفا في التواصل لدى قطاع الصحة، وعجزا عن تسويق العرض الصحي، وبالتالي فالكثير من الاستثمارات الجهوية في المجال، لا تؤتي أكلها ولا تستقطب المحتاجين لخدماتها
فانتظارات المواطنين لا ترتبط بالضرورة بتوفير الخدمة الصحية، ولكن أيضا بتوفير المعلومة

طموح رؤية 2035

على ضوء المكاسب والنواقص، وانطلاقا من انتظارات المواطن، وضعت اللنجة الخاصة بصياغة النموذج التنموي رؤية واضحة في مجال التغطية الصحية، وجعلتها ضمن الخيار الاستراتيجي الثالث، المتعلق بضمان الولوج لخدمات صحية ذات جودة وللحماية الصحية باعتبارها حقوقا أساسية للمواطنين

ضمن هذه الرؤية وبالنسـبة للقطـاع غيـر المهيـكل ذي الطبيعـة الاجتماعية (التجـار الصغـار، الحرفيـون ) والـذي يهـم الملاييـن مـن المغاربـة، فقد اقتـرحت اللجنـة لأجـل إدماجـه، اعتمـاد نظـام ينبنـي عـل منـح العامليـن بـه بطاقـة مهنيـة تسـمح لهـم بالاستفادة مـن مجموعـة مـن الخدمـات، مـن قبيـل الولـوج إلـى التكويـن المهنـي وإلـى بعـض الطلبيـات العموميـة والتسهيلات الإدارية والجبائيـة، إضافـة إلـى الولـوج إلـى التغطيـة الصحيـة والتعويضـات العائليـة، ما يكون من شأنه تحقيق التساوي بين جميع المواطنين، كيفما كان مركزهم السوسيو مهني ومكان إقامتهم، أمام الخدمة الصحية، والاستفادة من تغطية صحية حمائية وعرض صحي جيد.

يتبع