بقلم: سفيان بن لز عر – صحافي

تمر العلاقات بين المغرب وإسبانيا بإحدى أزماتهما الأكثر تعقيدا. فأزمة جزيرة ليلى بالمقارنة بالأزمة الحالية مجرد “لعبة”، نظرا للأبعاد التي اتخذتها الأزمة الراهنة بعد “طعن” إسبانيا للمغرب، باستقبالها زعيم الانفصاليين. إن مغرب سنة 2002 لا علاقة له بمغرب اليوم. مع تحالفاته الجديدة، ومكانته في إفريقيا، بالإضافة إلى حلفاء الخليج، يجعل المغرب واثقا من جميع الخطوات التي قد يتخذها في المستقبل القريب تجاه الجار الإيبيري.

الحكومة الإسبانية بقيادة اليسار والمكونة من “تحالف الشيطان” ارتكبت أخطاء جسيمة ضد المغرب. مع استمرار وجود الفكر الاستعماري، أدى الضغط داخل حكومة سانشيز إلى قيادة هذه التجربة الائتلافية الأولى في تاريخ الديمقراطية الإسبانية لارتكاب أخطاء دبلوماسية لا تُغتفر.

فأول إشارة سلبية وجهتها حكومة بيدرو سانشيز للمغرب تمثلت في خرقها للتقاليد التي دأب عليها رؤساء الحكومة الإسبانية منذ عهد فيليبي غونزاليس، والتي تتمثل في قيام الرئيس الإسباني بأول زيارة خارجية رسمية للمغرب بهدف توطيد العلاقات. فمن الناحية الدبلوماسية، هذه الرحلة لها معاني سياسية متعددة، كما تدخل ضمن ما يسمى ببروتوكول “المجاملة”.

المغرب فسر هذه البادرة على أنها “تغيير المسار في السياسة الخارجية الإسبانية، ربما بسبب تأثير بابلو إيغليسياس (بديموس) داخل الائتلاف الحكومي”. ما لم يكن يتوقعه سانشيز لاحقا، هو خروج إيغليسياس من الحكومة الإسبانية، واحتدام الصراع بين وزراء داخل الائتلاف الحكومي، وهو ما يهدد هذا الأخير بالانشقاق في أي لحظة، بالإضافة إلى اصطفاف مجموعة من الوزراء داخل الحكومة إلى جانب فكرة تصحيح مسار العلاقات مع المغرب رغم فوات الأوان.

ضعف شخصية الرئيس الإسباني، اتضحت أكثر لدى السلطات المغربية عندما سمحت رئاسة الحكومة لنائب الرئيس السابق بابلو إيغليسياس بالمطالبة “بسيادة الصحراء وتقرير المصير لفائدة الشعب الصحراوي”، وهو ما يتعارض مع “التوجه العام لإسبانيا”، التي كانت دائما تأيد “المسار الذي تنهجه الأمم المتحدة وبعثتها المينورسو”. وبالتالي كشفت هذه الخطوة النقائص الهائلة للدبلوماسية الإسبانية، والسطحية التي يتعامل بها بيدرو سانشيز مع السياسة الخارجية للبلاد.

ربما لم يعتبر وقتها سانشيز المغرب حليفا استراتيجيا، أو تم تغليط المفاهيم داخل حكومته حول المكانة التي قد يشغلها المغرب في برنامجه الحكومي، قبل أن يتورط في فضيحة الكل يعلمها، ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم متى ستنتهي.

ولم تتوقف الأخطاء الجسيمة عند هذا الحد، فالأخطاء توالت بعد أزمة الهجرة التي شهدتها سبتة المحتلة في شهر ماي المنصرم، فعوض ضبط النفس وفتح قنوات الحوار مع الجانب المغربي، خرج بعض الوزراء الإسبان بتصريحات شديدة اللهجة تجاه المغرب، تصريحات شملت جميع أنواع التهديدات واستعراض القوة، ومحاولة الضغط على الجانب المغربي.

“إسبانيا لا تقبل الابتزاز”، “لا يجب اللعب مع إسبانيا”، كانت من بين العبارات التي تفوهت بها الوزيرة مارغاريتا روبيلس، وهو ما يبرز عدم سيطرة رئيس الحكومة على وزرائه لاحتواء حساسية الظرفية التي تمر منها العلاقات المغربية الإسبانية، مؤكدة مرة أخرى أن الأمور داخل الحكومة الإسبانية خرجت من تحت سيطرة بيدرو سانشيز.

بعد أن أبان عن انعدام الخبرة السياسية في تسيير الشأن المحلي والخارجي، خصوصا فيما يتعلق بعلاقته مع المغرب، يجب على سانشيز الاستماع إلى آراء الأشخاص العقلاء داخل حزبه، مثل الرئيس السابق خوسي لويس زاباتيرو، أو وزير الدفاع السابق، خوسيه بونو، المنتقدين بشدة لطريقة تسيير الشؤون الخارجية للبلاد خلال الأزمة الحالية. في حال فشل إقناع سانشيز بالعودة إلى سكة الصواب، فالأقرب حسب رأيي هو عودة العلاقات المغربية الإسبانية إلى سابق عهدها في أواخر سنة 2023، وهو التاريخ المرتقب لنهاية ولاية الحكومة الإسبانية الحالية.