يطل عليك المسرح الملكي لمراكش عند وصولك إلى محطة القطار الجميلة.  تستلطف المشهد المعماري  و لا تقاوم الرغبة في إطالة النظر و الإعجاب بجمال معماره. تكرر رحلاتك إلى المدينة الحمراء  و ترى شموخ بناية مسرح دخل في عقده… و تتخيل أن داخله قد راكم أنشطة مسرحية  و فنية وطنية  و دولية  و قد زاد من زخم مراكش التاريخي  و الثقافي.  و قد تجرك قدماك إلى أبوابه فتجد أمامها أو بجانبها أحد الحراس  و لا تكاد تقاوم عن برنامج المسرح لهذا الأسبوع. يبتسم في وجهك الرجل  و قد رسم على محياه علامات تعجب  و ربما شيئا من الاندهاش.

هل أنت من أهل مراكش  و هل سبق لك أن سمعت عن أنشطة لهذا المسرح  الجميل؟ تجيبه بكثير من الحرج أنك مجرد عابر لهذا المجال الذي يطل عليه الاطلس المتوج بالثلوج . يطرح عليك السؤال من جديد، هل سبق لأحد أن حدثك عن “صولات  و جولات ” الفنانين المغاربة على خشبة هذا الذي يطل عليه الاطلس الشامخ ؟ تشعر بشيء من الإحراج.  أسئلة الرجل عرت عدم إهتمامك بأنشطة المسرح الملكي  و أن كل ما يهمك منظر خارجي لبناية سموها أصحاب سلطة رحلوا بعضهم عن المسؤولية  و بعضهم عن الدنيا.

يلاحظ مخاطبك ارتباكك  فيحاول التخفيف عنك بطريقة مراكشية ” العشاء الزين كتعطي ريحتو من العصر” و المسرح ” ما زال ما عطاتريحتو”. يقولون أن أحد الأجانب من المهندسين ” المعمرين” أو المعماريين الأجانب،  وقد أصبح هؤلاء يشتغلون بمراكش دون حسيب  و لا رقيب، أخذ لب أهل القرار في ذاك الوقت  و زين لهم ما سيقوم به  في مدخل أكبر شارع في المدينة الحمراء بعد شارع محمد الخامس التاريخي  الذي تحده جماليا صومعة الكتبية  و تصد عنه رياح الغرب ضخامة جبل جيليز.  و يقال أن أحد اقطاب الصوفية الفاعلة بالمدينة،  و هو أبو العباس السبتي،  مكث قرب هذا الجبل لسنوات حتى طلب منه تشريف المدينة بدخولها  و استقر في شمالها في حومة الزاوية التي تحمل إسمه  إلى الآن.  و بالرجوع إلى مسرح أظهر  بالملموس ضعف ثقتنا في أبناء البلد  و الرفع من شأن من لا شأن له  و لا معرفة  و لا تجدرا في تذوق قيم الجمال  و التعبير عنها بالعلم، أننا لا زلنا نرفع درجات من لا يستحق أن يصعد سلم اختياراتنا.   و ضاعت مشاريع إعادة الاعتبار للمدينة العتيقة، بعد ذلك، بين  أيدي  تقنوقراط حفاة عراة   يعيشون اليوم وراء الشمس  . و هذا مكانهم الطبيعي بكل مقاييس العدالة  و الإنصاف.  ” و العكوبة لأمثالهم ” ممن يقررون في الشأن المغربي  و لا يمتثلون للتوجيهات العليا  و لمبادئ الإخلاص للوطن.

المسرح الملكي في مراكش تحول إلى مؤسسة تعول على بعض الأنشطة العادية التي يمكن أن يستوعبها الفضاء الخلفي الموجود في الهواء الطلق  و الذي لا يطيق الإستقبال خارج ما يتيحه طقس مراكش.  المهم أن الزائراقتنع أن المسرح لا يقدم مسرحا  و أن فرقة الإخراج المعماري  و المالي خرجت عن النص منذ زمان.  صرفت مئات الملايين  و تعقدت الملفات القانونية لتبين تداخل الاختصاصات  و تضارب المصالح  و غياب المهنية  و ضياع مصالح البلاد.  يقال أن الجالس في أطراف المسرح  لا يمكن أن يتابع إلا جزءا مما يدور على الخشبة. خلال مرحلة الطفولة كنا نذهب إلى القاعات السينمائي الموجودة داخل أسوار المدينة  و كانت كلها تتيح فرجة غير ناقصة بفعل الشكل المعماري للقاعة  بإستثناء بسيط في سينما ” غزالة ” التي تحولت ككثير من مثيلاتها إلى أسواق،  يهم وجود سواري كانت تحد مجال المشاهدة لسيء الحظ الذي اشترى تذكرة تحمل رقما لكرسي يجاور العمود الاسمنتي.

و يظل المراكشيون ينتظرون مسرحهم الملكي الذي كان من  الممكن استغلاله خلال مهرجان السينما الدولي  أو خلال أنشطة أخرى، لكن العتمة لا زالت تسود  و لا زال سؤال الكفاءة  و المراقبة  و الإلتزام الأخلاقي الذي يفرضه بناء مغرب مؤسسات ما بعد  2035 ،حسب النموذج التنموي الجديد، مطروحا بشدة  و براهنية.

المسرح هو هذا المجال الذي يثقفنا  و يربينا  و يخلق فينا روح النقد البناء.  المسرح هو خير سند للمدرسة  و الأسرة  و الجمعيات.  حين لا نبني المسرح بالشكل المطلوب فإننا نؤجل حل الكثير من القضايا  و على رأسها بناء مؤسسات يمثلها جيل مسؤول لا يتاجر بقضايا الشعب  و لا يستغل الفقر لشراء أصوات  و لا يجعل من هذه الأصوات أسلحة لتدمير الثقة في مؤسسات الوطن. الويل كل الويل لمن ينشرون الفساد  و لمن لا يحاربون الفساد و  لمن يحاولون  طمس كل شيء جميل في هذا الوطن. أذكر ذلك الإجماع السيء لرفض شروط الكفاءة  و التعليم  الذي رافق مناقشة النصوص التنظيمية المصاحبة  للقانون  التنظيمي للجماعات الترابية و يزداد يقيني أن الإصلاح له سبيل واحد هو محاربة مفسدي الحياة السياسية و الإقتصادية  و الإجتماعية. اؤلئك الذين ارعبهم دستور  2011. أللهم تولاهم بقدرتك  و أنت القدير. أللهم إجعل سلطتنا القضائية  و أجهزتنا الأمنية تخلصنا من شرورهم إلى  الأبد حتى تنتصر إرادة الإصلاح التي يحملها بكل الصدق  و الإيمان ملك هذه البلاد.