بقلم جمال المحافظ.. في ذكرى رحيله: علي يعتة صحافيا

حلت الأحد 13 يوليوز الجاري الذكرى السادسة والعشرين لرحيل علي يعتة  (1920 – 1997) الأمين العام الأسبق لحزب التقدم والاشتراكية، وهي مناسبة لا تشكل فقط، الوقوف عند منجز الراحل، وجليل أعماله في ميدان السياسة والصحافة والعمل البرلماني، والممارسة الحزبية في مرحلة من التاريخ الوطني، بقدر ماهي فرصة، من أجل الاستفادة من التراث الذي خلفه وترسيخ قيم الاعتراف واستلهام العبر مما قدمه، من تضحيات في مسار بناء الديمقراطية، وتوسيع هوامش حرية الرأي والتعبير.
بيد أنه كثيرا ما يرتبط الحديث عن علي يعتة بالسياسة والعمل البرلماني، مع إهمال أو تقصير في الانشغال بتجربته الغنية في ميدان الصحافة، على الرغم من كونه من جيل الآباء المؤسسين لصحافة “الصف الديمقراطي” الى جانب التجربة الغنية التي راكمها في الممارسة الحزبية والعمل الحزبي المشترك خاصة ضمن مكونات “الكتلة الديمقراطية” وبالبرلمان.
نضال سياسي وصحفي
فالحضور الوازن لعلي يعتة في كل من المشهد السياسي والصحفي والتشريعي، ” كانت كلها مجرد واجهات لعمله من أجل الوطن، ومن أجل الناس، ولا يتردد في التعبير عن قناعاته ومواقفه، جهارا وعلانية وبلا التباس”، كما سجل محتات الرقاص مدير جريدة ” بيان اليوم” اليوم الاثنين 14 يوليوز الجاري في افتتاحية بعنوان ” في ذكرى وفاة علي يعتة” توقف فيها عند الخصال التي كان يتميز بها ومحطات وسمت مسار ” النضال اليساري التقدمي والصحفي والبرلماني” لشيخ الشيوعيين المغاربة .
ومن نافلة القول إن صحافة الحزب الشيوعي المغربي والتحرر والديمقراطية، التقدم والاشتراكية حاليا، تشكل جزءا مهما من تاريخ الصحافة الوطنية، التي يعد الراحل يعتة أحد فرسانها الذي كان يؤمن قيد حياته، ايمانا عميقا بالارتباط الجدلي ما بين الديمقراطية والوطنية، وهذا ما جعله يؤكد على أن “الديمقراطي الحق، لا يمكن أن يكون، إلا وطنيا حقا، مثلما لا يمكن للديمقراطي الحق إلا أن يكون وطنيا حقا، وأن الصحافة الديمقراطية، لا تعنى بأنها ليست وطنية، فهي وطنية وديمقراطية”.

الصحافة الديمقراطية
وبالمقابل كان علي يعتة يرى أن الصحافة أتت بعناصر جديدة في الحقل السياسي المغربي، وبادرت إلى المطالبة بالاستقلال، فأعطته محتوى ديمقراطيا، موضحا بأن التوجهات التي تحتكم لها الصحافة الديمقراطية، بصفة عامة، تتحدد في الدفاع عن حقوق الوطن ومصالحه العليا، وربط قضية السيادة والاستقلال والوحدة الترابية بقضية الديمقراطية.
كما تتحدد هذه التوجهات في تحرير الاقتصاد من سيطرة الاحتكارات الأجنبية والمحلية والاهتمام بالدفاع عن كل قضايا الشعب، فضلا عن العمل من أجل ثقافة وطنية مزدهرة والمطالبة بسياسة خارجية تقدمية في خدمة المصالح العليا للوطن والشعب والالتزام بوحدة المغرب العربي بثبات، ودونما ديماغوجية ولا رفع للشعارات البراقة.
وعلى مستوى الحريات العامة، فإن علي يعته وإن كان يقر بأن ” الحريات التي نتمتع بها، ليست بهبة أو منة، ولاهي نزلت من السماء”، فإنه يذكر بأن تحقيق ذلك كان ” ثمرة لنضالات وكفاحات وتضحيات الثوريين والتقدميين والوطنيين”، كما جاء في محاضرتين له، الأولى عام 1980 بعنوان ” الصحافة الديمقراطية بالمغرب”، في حين المحاضرة الثانية كانت عام 1982 حول “الصعاب التي تلاقيها الصحافة الديمقراطية بالمغرب”، ونشرتا ضمن مطبوعات ” البيان ” تحت عنوان ” الصحافة الديمقراطية بالمغرب حصيلة ومعاناة”.
الإخبار الموضوعي
وفي توصيفه للدور الذي يتعين أن تضطلع به الصحافة والصحفي حدده علي يعته في ” الإخبار الموضوعي والتعليق على الأخبار، وفق مبادئ قارة وثابتة، مع الحرص على عدم اللجوء إلى السب والشتم والقذف ونبذ أساليب المقايضة والابتزاز/الشانطاج” هي القواعد التي كانت  تعتمدها الصحافة الديمقراطية، خلال هذه المرحلة من تاريخ المغرب، حسب مدير ومؤسس جريدة “البيان” سنة 1972.
وبخصوص المضايقات والمصاعب التي واجهت الصحافة الديمقراطية، ذكر يعتة بأن هذه الأخيرة، وقفت في وجه الاضطهاد وقاومت المنع والحجز والتوقيف المؤقت وتسليط الرقابة وقمع الصحفيين وموزعي وقراء وباعة الصحافة الديمقراطية وحرمانها من الاشهار والاعلانات بهدف تفقيرها” علاوة على أنها كانت تتعرض باستمرار الى الحجز والتوقيف.
واعتبر قيد حياته، بأن بعض مراقبي الصحف في ستينات وسبعينات القرن الماضي، ” كانت تنقصهم الحنكة أو المعرفة السياسية أو حتى الذكاء والفطنة وكانوا يصولون ويجولون حسب أهوائهم وطبقا لمفاهيمهم”، قال علي يعتة: ” لمدة سنين كنا نصطدم باستمرار، مع وزير مراقب، كان لا يقبل كلمة الثورة الوطنية الديمقراطية، لأن الثورة – في نظره- معناها العنف والقوة وإراقة الدماء”.
الوزير الرقيب
وأضاف مدير جريدة ” البيان” الأسبق : ” كنا نحاول أن نفسر له ( الوزير ) ما نعنيه بالثورة الوطنية الديمقراطية؟ وما هو محتواها؟ وكيف نرى إنجازها عن طريق الوحدة الوطنية المعادية للاستعمار والامبريالية بالأساس؟، لكن رغم ذلك كان يتعنت هذا ( الوزير ) الرقيب يشطب على كلمة الثورة مقترحا تعويضها بكلمة التطور لتصير بذلك التطور الوطني الديمقراطي بدل الثورة الوطنية الديمقراطية “.
وعلى الرغم من أن الصحافة الحرة وخاصة منها الديمقراطية، عانت الكثير، فإنه تم في الأخير إلغاء الرقابة سنة 1976، وذلك عشية اجراء الانتخابات المحلية والجماعية التي أشرت لبداية “المسلسل الديمقراطي”.
نبل السياسة والصحافة
إن استحضار ذكرى علي يعتة، يتوخى ” استلهام سمات شخصيته من أجل استعادة نبل السياسة والصحافة والنضال، ولتجديد التأكيد على أن بلادنا في حاجة الى المصداقية والجدية في كل الميادين وأولهما في السياسة والصحافة. وفي الميدانين معا يبقى الراحل علي يعتة واحدا من الكبار الذين أنجبهم المغرب، كما جاء في افتتاحية ” بيان اليوم” المشار إليها سابقا.
ويمكن ل” مؤسسة علي يعته” التي تأسست في عام 2017، وعقدت جمعها العام السنة الجارية، أن تشكل قيمة مضافة في صيانة ذاكرة هذه القامة السياسية والصحفية، وتحقق الأهداف التي وضعتها منها ” إثراء الحياة العلمية والفكرية الوطنية، والمساهمة في تطوير الفكر السياسي المغربي ورفع مستوى النقاش السياسي والفكري في المجتمع”.