بقلم مصطفى المنوزي.. جدوى تثمين المقاومة ومعنى نقد التعسف في توظيف الشرعية
رغم أن الوقت لا يسمح إلا بالتضامن وبمزيد من الترقب والإحتراز في قضايا وقائعها متسارعة دةن التسرع في إصدار أحكام قيمية جاهزة ومتهورة ؛ فإنه من باب تحصيل الحاصل أن ندين كل وسائل العنف وممارسته في القضايا التي يكفي فيها إستعمال آليات الحوار وقنوات التعبير السلمي ، وإلا حضر واجب الشجب والإدانة والتصدي وترتيب المساءلة و العقاب وفرض نفسه كجزاء ، ما عدا إذا كان العنف مشروعا ( كما هو الشأن في حالة الفعل الممنوع أو المحرم او المجرم تشريعا ) ، أي كلما شرعنته حالة الضرورة مثلا كما إذا أوجبه القانون أو أمرت به السلطات العمومية أو في حالة الدفاع الشرعي وفي حدود رد الإعتداء أو تفاديه وبنفس الوسائل والقوة دون تجاوز حجم هذه الوسائل المستعملة وقوتها.
من هنا فإن مقاومة المستعمر ومناهضة الإرهاب سواء كان إرهاب الدولة أو الجماعات والأشخاص ، فهو عنف مشروع لأنه مرتبط بالمصير الوجودي وبالحق في الحياة ؛ ولذلك ستظل حركات التحرير والمقاومة المسلحة في نظر المستعمِر مجرد جماعات عنفية ومتطرفة وإرهابية ، ولأن المنتظم الدولي لم يتوافق لحد يومه على تحديد تعريف للإرهاب ، فإن كل دولة أو جماعة تعطي التفسير الذي يناسب مصالحها وعقيدتها الأمنية .
من حق كل واحد أن يدين العنف الممارس من قبل حركة مقاومة تدافع عن وطنها ووحدة ترابه كلما مورس ضد المدنيين وينتقد وسيلته أو توقيته وحجمه ، لكن أن يتم الركوب على خطأ في الممارسة أو سوء تدبير كذريعة للحكم على “” الفاعلين “” بأنهم إرهابيون كحركة وكإختيار رغم كون الخطأ حالة معزولة ونشاز ويتم إسقاط الوصم على تاريخ الحركة بصفة تعسفية والحال أن أية مقاومة للإحتلال الذي هو إرهابي وإستئصالي بطبعه وطبيعته العنصرية ، ولأن المقاومة مشروعة طبقا لميثاق الأمم المتحدة ، فلا يمكن إسقاط هذه الشرعنة على الفعل الإرهابي الذي قد تمارسه أي جهة ( محليا أو وطنيا ) ضد حلفائها الموضوعيين أو الإسترتيجيين واقعا أو إفتراضا ، ولو كانت تزعم أنها وطنية وتحررية ضد نظيرتها الوطنية والتحررية ، فهي بذلك تعد إرهابية وفاشية تستوجب الإدانة والمساءلة جنائيا .
ومن جهة ثانية فكل إشادة بإرهاب دولة الإحتلال وميليشياتها المسلحة يعتبر ترهيبا يستدعي المساءلة الجنائية . فحذار أن نخلط بين الأمرين في ظل انعدام تعريف دقيق للإرهاب وفي سياق ظرفية عصيبة يحكمها منطق عدالة المنتصرين وتشرعن لها إيديولوجيا الهزيمة والمظلومية ، وبالتالي فالحذر لا يقتضيه فقط مطلب ترتيب التناقضات بين الأساسي وبين الثانوي ولكن ايضا يتطلبه السياق غير المناسب للتقييم ، إنها حرب غير متكافئة بين مقاومة مشروعة وإرهاب يبحث له عن شرعية . ليبقى السؤال الجوهري هل من حق كل من يملك شرعية “فعل ” ما أن يتعسف في إستعماله ؟
إن كثيرا ما تسيء بعض المقاربات ومنهجية تدبير وتصريف الحق في المقاومة خاصة إذا اتخذ لبوسا ايديولوجيا بخلفية عقائدية بغايات إقصائية وإستئصالية ، حيث يتماهى الكفاح مع جهاد السفاح والنكاح ، وحيث يتم إستغلال التفوق على مستوى العدد والنفوذ الأدبي ( بنفحة طائفية أو عرقية أو مذهبية ) أو تستثمر في التعاطف ” الشعبي ” والمد الجماهيري والذي تخلفه ” الشرعية الثورية ” ؛ وما قد يترتب عن ذلك من إحتكار للتقرير والتحكم في المصائر والأعناق والأرزاق بإسم نفس الشرعية وإمتيازاتها التمييزية .
من هنا وجب تأطير الشرعيات على إختلاف تعددها وتبايناتها ، من شرعية وطنية وشرعية دينية وشرعية تاريخية وغيرها من الشرعيات والمرجعيات ، وذلك بالعمل على دمقرطتها؛ لأنه لا يكفي تعايش الشرعيات تحت قيادة وريادة تقليدانية تنصب نفسها فوق الصراع والطبقات ، وكزعامة لا تطمح أبدا في فصل الدين عن الدولة بفصل السياسة عن الدين ، حيث لا حركة وطنية دون ممارسة ديمقراطية ، فعدالة أية قضية من نبل ومصداقية عقل الفاعلين الديمقراطي وبالأحرى من غايتها الديمقراطية تستمد كل مصداقية ومشروعية .