بقلم ع. العزيز كوكاس: خالد عليوة.. من الترقيات إلى الخيبات

 

حين كان الشبان المغاربة المتحمسون لقيام الثورة الحمراء، يرددون في دار المغرب بباريس مع الشيخ إمام “كل عين تعشق حليوة”*.. كان الشاب عليوة القادم من الرباط إلى عاصمة الأنوار، منهمكاً في التحصيل والدراسة، مفتوناً ببهاء صورته وأناقته الزاهية.. فلم تطارده لعنة سنوات الرصاص ولا جحيم التعذيب الذي جُرَّ له الآلاف من المناضلين..
كان عليوة الشاب الرباطي يختط لنفسه مساراً مغايراً من السوسيولوجيا السياسية إلى الاقتصاد والمحاسبة، بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية.. كان مهووساً بأناقته كما باهتماماته العلمية، لأنه وعى أن أحد المداخل الأساسية للترقيات هو القليل من الفلسفة والكثير من الدبلومات، وحتى حين تقدم إلى الانتخابات مال نحو الأصوات الأنيقة في الأحياء الجميلة لمدينة الرباط، وبالضبط في حي الرياض.

بين “الشباب والتغيير الاجتماعي” الذي أصدره عليوة عام 1982، والبحث العلمي الذي أجراه الشاب خالد عام 1992.. صحبة آخرين حول “جدلية الدولة والمجتمع”، ازدادت سرعة طموح خالد عليوة، الذي لم يكن يعلم أن الطريق المغربي لا يخلو من انعراجات، في هذا العقد بدأ الشاب خالد يُعبد طريقه نحو الترقيات المتسارعة في مسار حياته، التي لن توازيها إلا سرعة الخيبات التي لحقته بشكل حزين.

لم يكن عليوة الذي ولد في 16 أبريل 1949، يعلم أن تقريراً مدوياً للمجلس الأعلى للحسابات سينفجر أمام الرأي العام في أبريل 2011، ويوجه له اتهامات خطيرة مرتبطة بسوء التدبير، الرجل عمل بمثل “خيرنا ما يديه غيرنا”، فحاز بشكل مباشر عقارات في ملكية القرض العقاري والسياحي بأثمنة أقل بكثير مما في السوق، والمقصود شقتان متجاورتان في شارع الراشدي بالبيضاء، اقتناها بنك القرض العقاري والسياحي عام 1997 بمبلغ 1.695.802 درهم وباعهما للمدير العام عليوة عام 2006 بمبلغ 1.705.000 درهم، لم يقف الأمر عند هذا الحد حسب قضاة الميداوي، بل إن البنك تحمَّل مصاريف إعداد شقتي الشاب خالد بفاتورة وصلت كلفتها إلى 1.972.066 درهماً.. “وارا زيد دردك على المال العام!”.

من مقعد البرلمان إلى وزير للتنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني والناطق الرسمي باسم حكومة عبد الرحمن اليوسفي بين 1998 – 2000 إلى وزير للتعليم العالي تكوين الأطر والبحث العلمي في حكومة إدريس جطو الأولى بين 2002 و2004، تحت جُبة عبد الرحمان اليوسفي الذي اتخذه وليا حميما، ووضع تحت تصرفه إدارة جريدة الاتحاد الاشتراكي في لحظة مفصلية من تحول حزب القوات الشعبية.. كُلف خالد عليوة بشؤون الحزب في البيضاء، وسرعان ما اتسع طموحه لقيادة عمادة المدينة الاقتصادية الكبرى.. لكن جرت الرياح بما لا تشتهيه السفن!

وهنا بدأت الخيبات المتتالية لخالد عليوة.. سريعة كما هي الترقيات التي وجد نفسه في بطن حوتها الذي لم يلفظه سالماً، بعد أن أُحيل ملف القرض العقاري والسياحي على النيابة العامة!

يقول المنجمون إن عليوة ينتمي إلى برج الحمل، لأنه ولد في الربيع، وسنرى أن فصل الربيع شكل موسم ترقيات خالد عليوة كما خيباته، فقد ولد في أبريل عام 1949، وعين في حكومة عبد الرحمان اليوسفي في 14 مارس 1998، لكنه غادرها في الربيع أيضا، وفي نهاية أبريل 2009 أقال مجلس إدارة القرض العقاري والسياحي مديره، وفي أبريل 2011 انفجر بين يديه تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول (CIH)، وفي ماي 2011 أحال وزير العدل ملف خالد عليوة على النيابة العامة للرباط… حتى وجد نفسه وراء القضبان، لكن يبدو أن كل عين تحب “عليوة”، لذلك سيعود خالد عليوة إلى منزله حرا طليقا بمناسبة جنازة أمه ولن يعود إلى السجن أبدا.

لم يسعف فن الإدارة الحديثة الذي يُدرسه الأستاذ الجامعي لطلبته في مدرجات جامعة الحسن الثاني، من إنقاذ خالد عليوة من السقوط نحو الهاوية، فالرجل كان يتخلى دوماً عمَّن فرش له طريقه بالورد من اليوسفي إلى لحليمي، وكان يؤدي ثمن ذلك غاليا، إذ كان لحليمي هو سبب إسقاطه من تشكيلة حكومة التناوب التوافقي، حين اضطرت لإجراء حمية على جسدها السمين..

لم تكن شمسه قادرة على البقاء متوهجة قبل خريف العمر، لذلك مرَّ مثل الومض في مشهدنا السياسي، وستظل خيباته محفوظة في أذهاننا أكثر من نياشين الترقيات التي لم تجعل نهاية مشواره السياسي مسكا.
فاللهم لا نسأل رد “القضاء” لكن نسألك اللطف فيه على مالنا العام!

*أستعير هذا التوصيف من صديق مثقف كبير كان الحديث مشتركا بيننا عن خالد عليوة في بداية هذا القرن، فانبرى يردد هذه اللازمة الجميلة.