انتكاسة حداثية.. فرنسا تمنع رواية من التداول واستياء عارم في الوسط الثقافي

في خطوة غير مسبوقة، فاجأت الوسط الثقافي و الأدبي الفرنسي و العالمي. أقدمت السلطات الفرنسية على منع كتاب أدبي  رواية. بعنوان “حقا صغير جدا” من التداول. ما خلق ردود فعل تشكك في صورة حرية الفكر و التعبير و تؤشر على إرهاصات لانتكاسة حداثية أصابت جمهوية الأنوار.

و منع وزير الداخلية جيرالد دارمانان تداول كتاب أدبي. بعنوان “حقاً صغير جداً” Bien trop petit للكاتب مانو كوس Manu Causse  منشورات “لاردور”. باريس 2023، بمبررات غريبة عن الشأن الثقافي و الفكري الفرنسي. الذي كان دائما يحتضن عددا من الكتب والروايات الأدبية الممنوعة من التداول في بلدانها. و تجد مرتعا خصبا للاحتضان في دور النشر الفرنسية.

و الكتاب الممنوع هو نص أدبي موجه للمراهقين الفتيان. يتحدث عن مجموعة مراهقين في حمام مشترك و من بينهم فتى يملك عضواً جنسياً صغيراً و مشوهاً. وحول هذه القضية يبني الكاتب أجواء قصته.

و يأتي قرار منع وزير الداخلية الفرنسي لهذا الكتاب الأدبي. بمبرر أنه يتناول موضوع الجنس، و الكتاب موجه للفتيان المراهقين.

سخرية من القرار

وعلق الكاتب والروائي أمين الزاوي في مقال مطول بجريدة “الانديبندنت” على منع الكتاب معتبرا أنه “أمر يدعو إلى السخرية فعلاً ولكن للتأمل أكثر، وهل سينفع هذا المنع في الحد من انتشار الكتاب أم أنه سيزيد من ترويجه أكثر وتلميع اسم الكاتب؟

وأضاف “حين يمنع كتاب أدبي تخييلي في باريس 2023 فاعلم أن أمراً ما غريباً يحصل في بلد عرف منذ عصر الأنوار بأنه فضاء لحرية الإبداع وللأدب الحر والفنون المطلقة بكل طبوعها وفلسفاتها، هل يدرك وزير الداخلية بأن زمن محاكمة غوستاف فلوبير عن روايته “مدام بوفاري” ولى، وأن زمن المكارثية غرب، وأن عبارة زولا الشهيرة “إني أتهم” لا تزال ترن في أسماع المثقفين والمبدعين؟

أليس المجتمع الأدبي الفرنسي في عصر التنوع والاختلاف وحرية الرأي من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين من ميشال ويلبك مروراً بأميلي نوتومب وغيوم ميسو ويان موا وكريستيان سينيول؟

هل نسيت فرنسا ووزير الداخلية بأن العالم في الشمال يعيش زمن نهاية خرافة المنع الأدبي، ربما هذا المنع لا يؤثر كثيراً في مسألة تداول الكتاب ولكنها سابقة خطرة تفتح الباب على كل احتمال مشين ثقافياً وعلى كل التوقعات السلبية على حرية التعبير.

بهذا التصرف المتمثل في منع كتاب أدبي، هل بدأت باريس تقترب سياسياً في سلوكها حيال الكتب وحرية الكتابة وحرية التفكير من سلوك بلدان العالم الثالث سياسياً التي لطالما هاجمتها الصحافة والسياسة كلما منع كتاب في الجنوب؟