بقلم إدريس الأندلسي: السيارات الفارهة ” معجزة مغربية “

عشق كثير من المغاربة للسيارات الفارهة يتجاوز عشق المجنون لليلاه و هيام روميو بجولييت. حين تقودك القدمان إلى قطع مسافة على الطريق و تسافر بك لحظة تفكير تسترقك مظاهر على هذه الطريق حتى تخالك في بلد أصحاب الملايير. تمر أمامك سيارات ألمانية و سويدية و فرنسية و أمريكية لم يسبق أن رأيتها لا في ألمانيا و لا في فرنسا و لا في الدول التي يتجاوز ناتجها الخام ألف مليار دولار. إنه العجب يا صاح و لم يدركني الصباح لكي أتعرف عن مصادر الاغتناء ” المباح”. حاولت، بعد عناء، أن أبعد عني سوء الظن و أقوي عنادي للوسواس و للحسد بنفاناتة ، لكني ، و رغم كل هذا لم استسلم لأن شياطين اعمال العقل كانت لي بالمرصاد و دفعت عني سوء الوهم و قبول الخرافة التي تبرر الاغتناء السريع بسر توزيع الأرزاق.

أؤمن أن الأرزاق التي أحلها الله هي تلك التي يكون مصدرها كنز ثمين أو إرث سمين او حتى ربح من يانصيب بالملايير أو عمل تجاري و صناعي و فلاحي و عقاري و مالي منتج للثروة. و لكنني أجد أن هذه الحالات قليلة مقارنة مع واقع يعج بحالات اغتناء لا علاقة له بالحلال الطيب و لا بمصدر دخل لا غبار عليه ولا وجود فيه لخلل يبعد عنه شبهة الحرام قانونا وضعيا أو منزلا من الناحية الدينية. بلادنا كغيرها من البلاد تسجل العجب العجاب في مجال تحول الفقير إلى غني بمجرد فجر انتخابي يوصل إلى مركز قرار في مجلس بلدي أو قروي أو إدارة أو مؤسسة عمومية أو مجلس يشرع بإسم الوطن. نعم تعادي بعض مؤسساتنا التقارير الدولية المتعلقة بالفساد التدبيري و بالرشوة. نعم تراجع ترتيبنا الدولي في هذا المجال ليصل إلى الرتبة ما فوق الثمانين عالميا . كنا نمضي إلى الأمام فأصبحنا نسجل تراجعات مهينة . قد يقول البعض بأن تهافت أعداء البلاد يؤثر في مراكز القرار خارجيا. و هذا خطأ.

تمكنت بلادنا قبل سنوات من تحقيق الكثير في محاربة الرشوة و أنتبهت المؤسسات الى معضلة الصفقات العمومية. لكن الردة كانت أقوى في مجال محاربة الرشوة و الفساد. كثير هم المغاربة الذين يتعرضون للابتزاز على الطريق. و للتذكير كانت جائحة كرونا فصلا يعج بممارسات ضاعفت من مظاهر الرشوة للمرور على الطرق الثانوية. و يصعب تتبع الذين يسيئون إلى المؤسسات في مرحلة صعبة مر منها الوطن. الخطاب الرسمي و ممارساته كانت في مستوى المسؤولية التاريخية. و لكن ضعاف النفوس لم يتخلوا عن التلاعب بمصالح المواطنين.
هذا جزء من حقيقية تبين أن مظاهر الاغتناء السريع لا يمكن أن تمر مرور الكرام في مأدبة اللئام. و الأمر يتعدى ممارسة للسلطة إلى الغش الضريبي و ممارسات في مجالات صناعة الأدوية و مناورات العقار و استغلال التدبير الرياضي. أكد لي صديق أن أحد المستثمرين الأجانب عبر عن دهشته أمام كميات السيارات باهظة الثمن التي تجوب شوارع مدن بلادنا.

نعم نصدر 100 الف سيارة سنويا و يصل مبلغ التصدير إلى 100 ،مليار درهم، لكننا نستورد سيارات فاخرة فاق عددها 12 ألف سيارة في نهاية 2022 . و لمن أراد أخذ رؤية بسيطة التجول في معارض السيارات الموجودة بحي يعقوب المنصور بالرباط و قريبا من منطقة سوق المنال ليطلع على عروض سيارات فارهة لا تدري كيف دخلت إلى المغرب. كما يمكن التأكد من كثافة وجودها بالعين المجردة على طرق و شوارع مدننا و حتى قرانا. و لا تبخل ميزانية الدولة على الوزارات و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية لتمويل شراء السيارات الفارهة.و ينعكس هذا الوضع على سلوكات على الطريق تمثل خطورة على مستعمليها. قصدت أخيرا مدينة طنجة على الطريق السيار و تأكدت أن الإجرام الطرقي مصدره سيارات كبيرة لا يحترم أصحابها قانون السير. و هذا السلوك يشمل الكثير من مغاربة العالم الذين يعتبرون عطلتهم السنوية فرصة لاستعراض تهورهم و عضلات سياراتهم.
الأمر خطير و يتطلب كثيرا من الحزم الأمني للتعامل مع السيارات الفارهة بكثير من القوة القانونية و ربطها مع منظومة العدالة و التدقيق في وسائل تمويلها. لقد بلغ السيل الزبا و أصبح جليا أن الأمر يتطلب المحاسبة التي خصص لها الدستور مكانة كبيرة في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة.