مصطفى المنوزي*: في نقد تماهي السياسة العامة للدولة مع العمل الحكومي
ستحل الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، إيذانا بانطلاق الدورة التشريعية الجديدة، وهي مناسبة ستقدم فيها الدولة في شخص رئيسها عرضها السياسي أمام مجلسي البرلمان، يفترض أن يتضمن توجيهات بمثابة قرارات سيادية واستراتيجية منتجة، وسيكون على الطبقة السياسية عبر أحزابها وبرلمانييها تثمينها والعمل على تجويد حكامة تفعيلها بعد تبنيها كليا او جزئيا من قبل الحكومة، وعبر برنامجها الحكومي وبعد شرعنتها من قبل مجلس النواب بالتصويت عليه، وطبعا كل ما يتعلق بالقضايا الحيوية والاستراتيجية لابد ان يعرض على المجلس الوزاري برئاسة الملك كي يضفى عليها طابع السياسة العامة والمستغرقة لسياسات عمومية، وكل هذا بغاية ضمان التقييم والتقويم في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة ، مع ضرورة استحضار الاقتصار على المساءلة معنويا وسياسيا بالنسبة للمؤسسة الملكية كما يقتضيه الدستور في باب الحصانة .
من هنا لابد من رفع التردد وتجاوزه والعمل على تنفيذ التزامات الدولة في العلاقة مع مطلب القطع مع الماضي ، فلا بمكن تحقيق أي انتقال مهما كان نعته إلا بسن ضمانات عدم التكرار ، وسوى بين استراتيجية الحد من الإفلات من العقاب ، فقد ولى عهد ” عفا الله عما سلف ” كخيار للتسامح مع الفساد وترسيخ مظاهر الاستبداد وفي ذلك تقويض للتنمية و إنكار للعدالة .
لذلك مطلوب منا ويفترض فينا أن نحاسب الدولة من خلال موظفيها العموميين سواء الوزراء والولاة والعمال وكافة الأمنيين والقضاة والعاملين على إنفاذ القانون ، قد نجازف إذا جزمنا وقلنا بأن آليات الحكامة والمراقبة مؤهلة للقيام بالنقد والمتابعة الدستورية ، في ظل تماهي الصلاحيات وتداخل المسؤوليات وفي ظل تسليم الجميع بأن كل الشؤون ، بما فيها التنمية وإعادة الإعمار ، صارت مجالا محفوظا للملك وانضمت إلى مجال الأمن والدين والخارجية ، وهو خطاب أمر الواقع غير مقبول خاصة ونحن نتبجخ بحصول تطور في مفهوم السلطة ومفهوم العدالة بجميع تلاوينها وتداعياتها .
ولا يسعنا إلا أن ندق ناقوس الخطر حول مصير الديمقراطية التمثيلية والتي تثقل ميزانيتها كاهل الخزينة العمومية مقابل مردودية هزيلة ووقع سياسي واجتماعي باهت ، والأنكى أن من شأن الفساد المستشري في أغلب المؤسسات والهيئات التمهيد لولوج الدولة الرخوة .
و صحيح أن الطبيعة تأبى الفراغ وما على المؤسسات إلا أن تملأه وفق ما يقتضيه الدستور والحس الديمقراطي ، لكن من الضروري أن يجسد الحلول / النيابة جزءً من الحل وليس جزءً من المشكلة ، خاصة وأن العبرة بحجم الكلفة سياسية كانت أم مالية في ظل ترهل الأحزاب السياسية وتراخي آليات الدفاع المدني وعدم تنصيب مجلسي الأمن والدولة كآلية للإستشارة والحكامة ، لا ديمقراطية تمثيلية ولا ديمقراطية تشاركية ، وفي ظل كثافة المهام الداخلية الوطنية والخارجية وتضخم المؤسسات والمراكز الموازية !
*رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن