“حكومة الكفاءات”. كان هذا هو الشعار الذي تمّ تداوله إبّان تشكيل “فريق” حكومة أخنوش بعد انتخابات شتنبر 2021. و مع مرور الوقت، ظهرت مؤشرات و بوادر تعكس لنا بعض توجّهات التدبير الحكومي “الجديد”.

أخنوش في تدخّله الأخير أمام البرلمان،  بدل أن يجد حلولا جذرية و مبتكرة لمشكل المحروقات المزمن، رمى بكرة غلاء الاسعار الملتهبة إلى ملعب الأحداث الدولية و وصف أزمة غلاء المحروقات بأنها “أزمة مستوردة”. رغم أن المتخصصين في الميدان الاقتصادي “بحّوا” من فرط إلحاحهم على أن الحل يكمن بأن تستعمل الدولة المغربية وزنها من أجل إعادة تشغيل مصفاة تكرير البترول “لاسمير”. لأن المسألة ببساطة لها علاقة بالأمن الطاقي الوطني الاستراتيجي. لكن أخنوش مصرّ على أنّ  قضية “لاسمير” بيد القضاء و بأنّه “يتمنى” أن يجد من يستثمر فيها مستقبلا. و هو بذلك يصرّ كذلك على الخلط بين صفته السياسية كرئيس حكومة، مسؤول على ضبط التوازنات بين غلاء أسعار المحروقات و القدرة الشرائية للمواطن ، و  كرجل أعمال و مستثمر أساسي في قطاع المحروقات على المستوى الوطني. و بالتالي فهو مستفيد من ارتفاع الأسعار و يستربح منه الملايين من الدراهم يوميا.

و لم تتردّد ليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في التأكيد على أنّ الوزارة تعمل في هذا الصدد على إرساء نظام “جديد” لتدبير المخزون الاحتياطي للمحروقات في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص. وذلك بهدف الحفاظ على “الأمن الطاقي”. و أنّ هناك “نيّة” للقطاع الخاص لاستثمار  5 ملايير درهم  للرفع قدرات تخزين المحروقات من طرف “الشركات”. و هي بذلك و كأنّها تتكلّم باسم الفاعلين الخواص في قطاع المحروقات الذي يعتبر رئيسها عزيز اخنوش، عبر هولدينغ “أكوا”، المستثمر الرئيسي في القطاع. رغم أنّ “لاسمير” تتوفّر على خزانات كافية و سبق للحكومة بأن طلبت الإذن من المحكمة لاستغلالها أيام الجائحة و لم يتم تتبع هذا الملف لأسباب غير معلنة.

ما علاقة برنامج “فرصة” بوزارة السياحة؟

و في سياق آخر،  روّجت الحكومة مؤخّرا لبرنامج وطني لدعم حاملي المشاريع من الشباب خصوصا أسمته “فرصة”.  الشركة المغربية للهندسة السياحية (La SMIT) التابعة لوزارة السياحة ، هي التي تمّ تكليفها بتنزيل المشروع من طرف حكومة أخنوش. رغم انّه من البديهي أن وزارة التشغيل من كان عليها الاشتغال على الموضوع. بحكم أنها القطاع الحكومي الوصيّ و المسؤول عن التشغيل و لديها قاعدة البيانات بحكم الاختصاص و الموارد البشرية اللازمة المتخصّصة. و “La SMIT” بدورها ستعتمد في تدبيرها للمشروع على شركات في القطاع الخاص و مرّرَت لها بالفعل صفقات التدبير و التسويق بملايين الدراهم.

المتتبعون للشأن السياحي بالمغرب يعلمون أنّ جلّ المشاريع التي تكلّفت بها الشركة المغربية للهندسة السياحي, (La SMIT)، و التي انشئت سنة 2007 بهدف تطوير القطاع السياحي، عرفت اختلالات  على جميع المستويات. بدءا من مشروع الحسيمة باي و السعيدية، مرورا بمشاريع متعثّرة عديدة كتغازوت بأكادير و تامودا باي بتطوان. كما وجّه لها المجلس الأعلى للحسابات انتقادات واسعة في مناسبات عدّة و هذا موضوع آخر…

و المثير في الأمر هو أن فاطمة الزهراء عمور ، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني ،اشتغلت في هولدينغ أخنوش “أكوا” مديرة للتسويق . مكلّفة بنحو عشرين علامة تجارية منذ سنة 2001. ومكثت بالمجموعة لمدة عشر سنوات.

هل تكليف وزارة السياحة بتنزيل مشروع “فرصة” سببه أن وزيرة السياحة تنتمي إلى نفس حزب رئيس الحكومة ؟. و سبق أن اشتغلت في شركاته الخاصة؟  هل الهدف هو تسهيل التواصل بين رئاسة الحكومة و الوزارة؟. أم الهدف هو تمرير الصفقات و طلبات العروض بصفة استعجالية و بمرونة أكبر؟؟

الدولة/الشركة

الوزارة نفسها مرّرت طلبا للعروض بحوالي 400 مليون سنتيم لصالح شركتين استشاريتين من أجل صياغة قانون إطار جديد  بخصوص الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.  إحدى هاتين الشركتين يمتلكها عضو في حزب التجمع الوطني للاحرار. الناطق باسم الحكومة مصطفى بايتاس أكّد الأمر و وصفه بأنّه تمّ وفق المساطر القانوينية المنظّمة لمثل هذه الصفقات.

فهل بدأ أخنوش و أعوانه في تطبيق منهجيّتهم الجديدة عبر تنزيل مفهوم “الدولة/الشركة” الذي لطالما حذّر منه بعض السياسيين و المتخصصين في الشأن العام؟  هل هذه هي “الكفاءة” التي وعد بها أخنوش منتخبيه أيام الحملات الانتخابية؟ هل الاشتغال على الشأن العمومي بمنطق الشركة سيجدي نفعا؟ و هل هذا المنهج الجديد في الحكامة سينعكس إيجابيا على مستويات التنمية الشاملة ؟

الزمن هو الذي سيحكم…