سلط تقرير عبد الاله الجواهري والي بنك المغرب الذي قدمه بين يدي الملك , الضوء على الضغط  المتزايد على موارد الدولة. والذي يتفاقم بالنظر إلى عمله على الاستجابة للأولويات الاجتماعية. مثل التعليم أو استكمال بعض الإصلاحات العاجلة كتلك المتعلقة بنظام التقاعد، حيث تعرف التوازنات المالية لبعض الأنظمة “تدهورا سريعا ومثيرا للقلق”، حسب الجواهري الذي تحدث بقلق عن أساليب التمويل الجديدة التي يتم اللجوء إليها لمواجهة نقص الموارد منذ 2019.  معتبرا أن تداعياتها غير معروفة، فعلى عكس عمليات الخوصصة التي تستند إلى أساس قانوني ومنطق اقتصادي. لا تستجيب عمليات تفويت ممتلكات الدولة لفائدة المؤسسات العمومية بشكل واضح لهذه المتطلبات. وهو ما دفع عبد اللطيف الجواهري إلى الحديث عن ضرورة  إجراء تقييم دقيق لطريقة التمويل لاتخاذ القرار بشأن جدوى استمراريتها.

وعن تعزيز مصادر موارد ميزانية الدولة، أشار والي بنك المغرب إلى توسيع القاعدة الضريبية الذي ينجز ببطء. بسبب تمديد الإعفاءات المتعددة منذ سنوات ما يحرم الدولة سنويا من موارد تقارب 2.5 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. ما يستدعي حسب الرجل إلزامية دخول القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي حيز التنفيذ. ليخفف من مشكلة تمركز الضغط الضريبي، في ظل نسيج إنتاجي هش ومفكك. ساهمت الجائحة وما تلاها من ازمة في مفاقمة وضعه السيء. حيث تزداد الصعوبات بسبب الثقل الضريبي، ومنافسة القطاع غير المهيكل وظاهرة الرشوة التي تهدد النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي. والتي وصفها الجواهري بأنها من مظاهر عجز بنيوي يعاني منه المغرب.

وأشار والي بنك المغرب، إلى أنه على الرغم من الإرادة والعزيمة والعديد من النصوص والتدابير. لا يزال المغرب عاجزا عن إحراز أي تقدم يذكر بشأن الرشوة. بل إن أداءه السلبي على مستوى التصنيفات الدولية يبين بعض التراجع في السنوات الأخيرة. مما يستدعي إعادة النظر في المقاربات المتبعة إلى الآن و اتخاذ إجراءات أكثر قوة وأكثر حزما.

استثمارات كبيرة تكرّس الهشاشة

مستوى جودة الحكامة من المعطيات التي تظهر المفارقة التي يعيشها المغرب. فرغم المجهودات الحثيثة في عملية الإصلاح،يبقى الأداء الاقتصادي والاجتماعي حسب والي بنك المغرب “دون الانتظارات”. وذلك تزامنا مع تسجيل المغرب لأحد أعلى معدلات الاستثمار في العالم، لكن وتيرة نموه تظل بطيئة !! ما ينعكس على سوق الشغل ا لذي لم يسلم من تأثير ضعف المردودية. حيث يشتغل أزيد من 10 في المائة من الأشخاص النشيطين في أعمال غير قارة أو موسميين. ولا يتوفر أكثر من نصفهم على أية شهادة تعليمية. وأمام هذه الوضعية، قال والي بنك المغرب، أن تغيير النهج المعتمد لسياسات الدولة في هذال المجال أصبح ضرورة لا ميحد عنها. بدل إحداث والحفاظ على مناصب شغل ليست لها أية قيمة مضافة تذكر. لا تتجاوز توفير مصدر عيش يكرس هشاشة الشغل التي تشكل على غرار البطالة شكلا من أشكال الإقصاء الاجتماعي.

ودعا والي بنك المغرب بالمقابل إلى  مواكبة الأشخاص النشيطين لتشجيعهم على العمل في أنشطة ذات إنتاجية عالية، كما حذر من استقطاب الدول المتقدمة للكفاءات المغربية ما يتسبب في نزيف مقلق يستلزم اتخاذ تدابير مستعجلة للتخفيف من وتيرته.

المصلحة الوطنية التي تعلو فوق كل اعتبار شخصي فئوي أو حزبي

تزامنا مع التغيرات المناخية وتداعياتها المعقدة على الدول، نبه والي بنك المغرب إلى ضرورة التعامل وفق رؤية تستند لتغيير جذري عند إعداد السياسات العمومية. وذلك باستحضار أولوية محاربة التغير المناخي، بعد أن أشارت العديد من التقييمات أن المغرب يتجه بوتيرة مقلقة نحو عجز حاد في الموارد المائية.

واعتبر الجواهري أنه على الرغم من تجليات هذه الإشكالية من جهة، وتعدد النصوص والتدابير المعتمدة من جهة أخرى. يظل الوعي بخطورة الوضعية غير كاف على الإطلاق. ما يتطلب مقاربة شمولية وصارمة تهدف إلى جعل الاعتبارات المناخية إحدى العناصر القارة التي يجب مراعاتها في بلورة أي سياسة في القطاع العام أو الخاص.

وتزامنا مع دخول العالم لمرحلة ما بعد الجائحة التي أفرزت توجهات نحو تعزيز السيادة الاقتصادية، وإعادة التفكير في تعددية الأطراف. وتعزيز الاعتبارات المناخية وتسريع الرقمنة بما تنطوي عليه من فرص ومخاطر، إضافة إلى الاختلالات  طويلة الأمد المرتبطة بالتطورات الجيوسياسية و تسريع إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد. دعا عبد اللطيف الجواهري، إلى ضرورة تجند كل القوى الوطنية والأطراف المعنية خلف جلالة الملك، بروح المصلحة الوطنية التي تعلو فوق كل اعتبار شخصي فئوي أو حزبي. من أجل مواجهة هذه الظرفية الصعبة والمحفوفة بالشكوك،لتمكين الاقتصاد المغربي من الارتقاء إلى مسار تنموي قوي وشامل ومستدام، قادر على تحقيق الطموح المنشود بالالتحاق بمصاف الدول الصاعدة اقتصاديا واجتماعيا. وذلك استنادا على المؤهلات الرئيسية للمغرب، و المتمثلة في ثوابته الوطنية ورأسماله البشري.

م.أحداث انفو